تكريم عصي الدمع إعتراف بالمجتمع المدني 2006

حلقة حوارية مهمة جدااااااااااااا عن مسلسل عصي الدمع

تشعب الحوار مع النجم السوري جمال سليمان من قبل أن يبدأ. امتد وطال، ولم نسجل منه إلا ذلك الشغف الذي بدا في حديثه عن مسلسلين شارك فيهما في رمضان الفائت، ونقصد بطبيعة الحال «عصي الدمع» و «ملوك الطوائف». بداية أهديته كتاباً عن «سينما مي المصري» فقال معلقاً على الكتاب: «إذا كانت مي تستأهل كتاباً عن أفلامها، فإن المخرج حاتم علي يستأهل كتاباً». قلنا إن هذه وجهة نظر نحترمها، ولكن التلفزيون الذي يعمل له حاتم علي لا يملك هوية واضحة تفرض عمل كتاب عن مخرج بعينه. فهذا الصندوق العجيب (التلفزيون) يحتاج لمن يرافقه نقدياً ويوضح هويته حتى يمكن وضع كتاب ما عن هذا المخرج أو ذاك.

وكشف الحوار الطويل عن شغف متوار في شخصية جمال سليمان كأننا تعرفنا عليها للتو.. وهنا بعض ما دار في اللقاء:


> تكريم صندوق الأمم المتحدة لأسرة «عصي الدمع» لم يرق للبعض، حتى أن أحداً كتب شيئاً بهذا الخصوص..!!

- من كتب هذا لا يروق له شيء في هذه الدنيا. لا يروق له إلا والناس (مذلون مهانون).. يبكون ويتألمون. في رأيي إن التكريم حدث مهم جداً لأنه اعتراف بدور الفعاليات المدنية في المجتمع السوري ومساهمتها في عملية التغيير الاجتماعي. خطوة مهمة جداً أن يتم اللقاء مباشرة بين نشاط فني وثقافي سوري مدني ومنظمة دولية. فمن التقليدي جداً في سورية أن تكون علاقة المنظمات الدولية مباشرة مع الحكومة والشخصيات الرسمية، والآن يحدث أن تكون العلاقة مع أشخاص غير رسميين ولا يمثلون الحكومة. وهذا التكريم له معنى رمزي بالنسبة إلي، ذلك إنه يجيء بمثابة تقدير للدور الذي يقوم به الكاتب والمخرج والممثل والمنتج السوري لإسهامهم في عملية التغيير الاجتماعي في سورية، لأن «عصي الدمع» طرح وجهات نظر مختلفة في ما يتعلق بالوضع الاجتماعي والقانوني للمرأة في سورية، وأعتقد أن وضع النساء العربيات مشابه لوضع المرأة عندنا في الكثير من الأشياء. وأثار المسلسل في بعض الدوائر المدنية والحكومية المهتمة فعلاً بعملية التغيير الاجتماعي نقاشات طويلة. باختصار كان مساهمة ضمن مناخ عام يتحدث عن ضرورة هذا التغيير.


> قيل إن التكريم جاء لأنك سفير النوايا الحسنة لدى الصندوق الإنمائي التابع للأمم المتحدة..!!

- صدقاً لا. لاعلاقة لموقعي بهذا التكريم. وحتى لو حدث ذلك لن أخجل منه وسأعتبره فعلاً ايجابياً. ولكن صدقاً لم تخطر على بالي مثل هذه الفكرة على الإطلاق، أنا فوجئت عندما قيل لي بأن هناك نية لدى صندوق الأمم المتحدة (البرنامج الإنمائي) لتكريم هذا المسلسل، وأعتقد أن هذا جرى سابقاً مع بعض المسلسلات السورية التي ناقشت قضايا مثل الإيدز..!!


بين رياض ورياض


> حسناً. لننظر الى «عصي الدمع» ما هي أزمة رياض المرادي في المسلسل الذي يحب برليوز ولا يتعاطف مع القصبجي. هذا الترفع الحاد في الحالة الدرامية ألا يخلق نمطاً لم نعد نحتاج إليه حتى تلفزيونياً..؟!

- لا ليست الأمور هكذا. رياض الأنثى، أي رياض العمري (سلاف فواخرجي) عندما تعرفت إلى برليوز أحبته لأنها إنسانة طبيعية لا تتعامل مع الثقافة كثياب تنكرية، بل تتعامل معها كحاجة روحية، فهي إذن قادرة على أن تحب «الفن الآخر» حالما تتعرف إليه، أما رياض العمري، فالثقافة بالنسبة إليه مجرد ثياب تنكرية مؤلفة من ألوان ضاجة يرسم بها صورته التي يحب أن يراه الناس فيها، فعدم حبه لأم كلثوم لا يعبر عن انعدام الذائقة الأصيلة فيه، بقدر ما هو خيار اجتماعي يريد من خلاله أن يقول بأنه فوق هذا المجتمع. فهو لا يحب شيئاً أجمع الآخرون على حبه، فمن وجهة نظره (رياض المرادي) أن تحب أم كلثوم ومحمد القصبجي يعني أنك تنتمي إلى العامة، وفي هذا الكثير من الادعاء والتنكر.


> أليست هذه قولبة للشخصية.. يعني ألا يمكن له التعالي إلا من خلال هذا الخيار الاجتماعي؟

- ممكن جداً شرط أن يكون أحداً غيره، وإلا لن يكون مدعياً عندئذٍ. لأنه سيكون طليعياً حقيقياً وهو غير الآنسة رياض المرادي، لأننا نكتشف في النهاية أن كل هذا الكلام وكل هذه المواقف لم تكن أصيلة. لقد كانت مجرد حال من الادعاء الثقافي، فهو الذي أتى بكل هذه العلوم من الثقافة الغربية وهذا التبني المنحاز لفن الغرب على حساب فنون المجتمع الذي ينتمي إليه، وهو الذي لم يستطع في النهاية أن يكمل الصورة ويتعامل مع زوجته من خلال منظومة الثقافة الغربية، بل ارتضى لنفسه ذلك الشكل المتخلف من ثقافته الشرقية..!!


> ألا تعتقد إن هذا يخلق حال اصطفاف ثقافية متطرفة.. تتوالد أيضاً في أمكنة أخرى؟!

- هذا موضوع لم يكن واحداً من هموم المسلسل. هنا في «عصي الدمع» كان الهم الأساسي طرح نماذج اجتماعية وثقافية مختلفة، وتبين تنوع بل وتناقض نظرتها الى الحالة الاجتماعية. ليس التناقض مع الآخر فقط وانما التناقض مع الذات في الدرجة الأولى. من هنا نستطيع أن نقول إن الموقف الاجتماعي لرياض المرادي غير متناغم مع موقفه الثقافي وبالتالي هذا ليس موقفاً ثقافياً ، بل هو ادعاء ثقافي.


> حسناً.. ما هي دلالة وجود الاسم نفسه مرة مؤنثاً ومرة مذكراً في المسلسل إذاًً؟!

- ان رياض المرأة ورياض الرجل يحملان الاسم ذاته، ويعملان في المهنة نفسها، في البناء ذاته، ولديهما الكثير من الأشياء المشتركة إلا أنهما يفترقان عندما يدخلان في الشأن الحياتي الجوهري.


الشاعر والسلطة


> شاركت في «ملوك الطوائف» بدور ابن زيدون.. وفي «عصي الدمع» بدور رياض المرادي.. أيهما الأقرب إليك؟

- ابن زيدون..


> لماذا؟

- كثيراً ما لفتت نظري حال الصراع التي يعيشها الشاعر مع الموقف السياسي والحالة السياسية التي قد يكون في لحظة من اللحظات جزءاً منها. هناك جانب مأسوي في حياة ابن زيدون يتأتى من هذه الازدواجية، بينها مراسيم الشاعر ومراسيم الوزير. الشخصية السياسية الصرفة شيء، والشخصية المثقفة الصرفة شيء آخر. ولكن عندما تجتمعان في إنسان واحد، فإن الشخصية الدرامية وعمق الأسئلة الوجودية التي تطرح لهما وعنهما تصبح كبيرة وتولد طاقة درامية كبيرة.



الحياة