قتل بالإشاعة

موضوع: قتل بالإشاعة السبت 12 نوفمبر 2011, 7:33 pm

قتل بالإشاعة

قبل سنوات كتبت في دفتر ملاحظاتي العبارة التالية: «الحق موزع في الناس ولهذا يحْسَبُ كل منهم أن الحق معه»، وما يقلقني جداً هو أننا نحن السوريين بتنا لا نرى سوى حصة الواحد منا من الحق وحصة غريمه من الباطل، ما يهدد بإيقاعنا في صلابة المتحاربين بدلاً من مرونة المتحاورين.

قتل بالإشاعة Ma_13121213

في السابع والعشرين من الشهر الماضي نشر موقع الكتروني مقالاً بعنوان: «جمال سليمان يبرئ قناة الجزيرة من دماء السوريين!» اتهم فيه الفنان جمال سليمان بأنه قال: ... على هامش مهرجان الدوحة السينمائي: «نحن (الفنانين السوريين) نشكر قناة الجزيرة لنقلها لأحداث سورية بكل مصداقية وحرفية».
بعد أيام تلقيت بياناً من الفنان جمال سليمان، يبدو أنه قد وزع نسخاً منه على الصحافة العربية والعالمية، قال فيه بوضوح: «أنا لم أجر أي لقاء أتناول فيه الأحداث في بلدي سورية مع الجزيرة ولا مع غيرها أثناء وجودي في مهرجان الدوحة السينمائي».
المؤسف في الأمر هو أن الموقع الالكترني لم يذكر مصدراً إعلامياً موثوقاً يبرر اتهامه الخطر إذ اكتفى بالقول: إن الفنان سليمان قال «على هامش مهرجان الدوحة» دون ذكر اسم وسيلة الإعلام التي قال لها ذلك الكلام، وما زاد الطين بلة هو أن الموقع جنح للتخوين وإطلاق التهم الجارحة بحق الفنان سليمان دون دليل، ما جعل الفنان جمال سليمان يتخلى عن دبلوماسيته كسفير للأمم المتحدة ويتهم الموقع: «... بنشر الفرقة والبغض والتحريض على العنف على كل من يرفع صوتاً حراً ينادي بالإصلاح الذي لا ينزع فتيل المؤامرة غيره».
أحسب أنني قد اطلعت على جل التصريحات التي أدلى بها الفنان القدير جمال سليمان خلال الأشهر الماضية، صحيح أنني قد تحفظت على صيغة وتوقيت بعض تلك التصريحات، لكنني والحق يقال لم أجد فيها كلها ما يخدش الحس الوطني السليم، وأنا أتفق معه في قوله: «إن البديل من الحوار هو العنف الذي سيوصلنا إلى الحرب الأهلية والتدخل الخارجي المدمر وكلاهما سيحرق البيت بمن فيه». وهذا ما عبرت عنه بوضوح في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني.
المؤلم هو أن بعض وسائل الإعلام الخارجية المغرضة استفادت من بيان الفنان سليمان للهجوم على سورية، ما دفع الموقع لأن ينشر مقالاً جديداً قبل أيام بعنوان «الفيلسوف الصغير جمال سليمان مرة أخرى» اتهم فيه كاتب المقال الفنان سليمان بأنه تصدَّر قائمة «الشرف السورية» التي أغرقت الشارع السوري بالدماء وأنه بدخوله (هذه القائمة) يشكل أداة من أدوات مشروع الفتنة التقسيمي». وهذا خلط واضح وخطر، فقوائم الشرف والعار العشوائية التي يتم إنشاؤها على الفيس بوك لا يدخل المرء إليها برغبته، كي يتحمل مسؤولية ذلك، بل يدرج اسمه فيها من منشئي تلك القوائم. وهذا ما يعرفه محرر الموقع حق المعرفة. وقد سبق أن أطلقت تهديدات واتهامات مؤسفة من هذه الطبيعة، بحق العديد من الفنانين الوطنيين كان من أبرزهم المخرج القدير هيثم حقي.
الموجع في الأمر هو أن كاتب المقال الثاني في الموقع المذكور لم يتراجع عن اتهاماته ولم يقدم دليلاً عليها، بل أمعن في توجيه الشتائم للفنان جمال سليمان لدرجة أنه وصفه بـ «جمال باشا السفاح»! وأقل ما يمكن أن يقال في هذا إنه عيب! فالمبدع ثروة وطنية لا يجوز تجريحها ولا إلهاؤها بقضايا زائفة.
لقد كان يجدر بالموقع في المقال الثاني إما أن يعتذر عما جاء في المقال الأول وإما أن يقدم أدلة قاطعة ناصعة تؤكد صحة الاتهامات التي وجهها للفنان جمال سليمان في ذلك المقال، لكنه لم يفعل أياً من هذين الخيارين العقلانيين، ما يؤكد أن كاتب مقالاته المغفلة من التوقيع يعمل بنصيحة الأديب الكبير سعيد تقي الدين: «لو أردت اغتيال عدو فلا تطلق عليه رصاصة، بل أطلق عليه إشاعة».

http://alwatan.sy/newsd.php?idn=111707

المقال في منتهى الروعة ,