الشتاء المقبل عضو نشيط
عدد الرسائل : 212 العمر : 37 تاريخ التسجيل : 08/12/2008
| موضوع: هل فعلا ضلّ أوبريت الضمير العربي طريقه ؟! الثلاثاء 20 يناير 2009, 3:43 am | |
| المحاصرة بالموت والقتل والخوف، فتطالعك أغان وطنية أعدت على عجل للحاق بركاب الحرب في بازار المزايدات الوطنية والقوميّة، مع استثناءات قليلة يأتي في طليعتها أوبريت "الضمير العربي"، الذي بدأت بعض المحطات الفضائية ببثه بصورة مكثفة بين الفواصل الإخبارية العاجلة، بعد أن رفض عدد من الفضائيات بثه لاعتبارات سياسية. أوبريت يؤرخ للأزمات العربية والمآسي المتنقلة من المشرق العربي إلى المغرب، مع مشاهد دموية أقسى من أن يتحملها المشاهد المحبط أصلاً من المجازر اليوميّة التي لا تفارق شاشته الصغيرة، مجازر لن يطول بها الزمن قبل أن تصبح مادة أرشيفية في أوبريت وطني جديد. يبدأ الأوبريت لمخرجه أحمد العريان من حيث انتهى أوبريت "الحلم العربي" قبل سنوات، شهدت مآس وحروب لم يفت الأوبريت الجديد تسجيلها وعرضها وبثّها مع صور عنيفة لم ينبهنا المخرج أنها تصلح "للراشدين فقط"، من حرب العراق مع مشاهد قاسية عن تنكيل جنود الاحتلال بأهل البلد وأطفاله ونسائه، إلى الحروب الأهلية المتنقلة في كافة أرجاء الوطن المحتل، فحرب تموز في لبنان ومشاهد قاسية عن المجازر الإسرائيلية، ولم يفت المخرج تسجيل بعض المناوشات التي كادت تتحوّل إلى حرب أهلية، مثل حادث الجامعة العربيّة في بيروت، الذي لم يتعد كونه معركة بين طلاب قد لا يذكرها التاريخ المحمّل بأوجاع وآلام ومآسي الأمة العربية، لكن الأوبريت بدا وكأنه يبحث في ذاكرة حديثة العهد، لينبشها قبل أن يعلوها الصدأ، ولو على سبيل تضخيم الأحداث لتبرير تشرذم الأمة، فبماذا يجدي نكأ الجراح؟
من حروب حماس وفتح، إلى المجازر الاسرائيلية فلسطين كانت القضية، من حروب حماس وفتح، إلى المجازر الاسرائيلية، ومعاناة شعب أدمن المعاناة، والرابط بين مأساة لبنان والعراق وفلسطين صور الجثث المشوّهة، والدماء المنتشرة في كل مكان، مع تسجيل حوادث قتل على مرأى من عدسات الكاميرا، على طريقة تلفزيون الواقع، واقع مأساوي لا تملك معه إلا أن تدير وجهك عن مشاهد تتركك فريسة الغضب الذي لا يفضي سوى إلى الإحباط. وبين كلمات تحاول زرع الأمل وروح الثورة، ومشاهد تحث على اليأس والثورة على الأمل، يبرز التناقض في كليب "الضمير العربي"، الذي يبدو أنّه ضلّ طريقه فلم يعرف إلى من يتوجّه، هل هو يتوجه إلى الجمهور الغربي المضلّل بإعلام أحادي الرؤية؟ وأي مواطن غربي سيستمع إلى أوبريت عربي يبث عبر قنوات عربية؟ أم هو يتوجّه إلى جمهور عربي لحثّه على الوحدة والنضال؟ وأي نضال في أمّة تاريخها أسود وحاضرها أسود ومستقبلها لا يبشر إلا بالسواد؟ وأي ثورة يخلفها مشهد طفل يحتضر على مرأى من العالم والزعماء العرب؟ والأهم أي مشاهد سيتحمل تلك الصور العنيفة التي يتضمنها الكليب؟ وهل تصل الرسالة إذا ما عزف عن الأغاني الوطنية التي لا تحثه إلا على الإحباط واليأس ونبذ الآخر والشعور بالدونية تجاهه؟
حروب متفارقة بين أبناء الشارع الواحد قبل سنوات، عندما كان نصف لبنان يحارب نصفه الآخر مع حروب متفارقة بين أبناء الشارع الواحد، غنت الفنانة الكبيرة فيروز "لبنان الكرامة والشعب العنيد"، وغنى زكي ناصيف "راجع يتعمر لبنان"، لم تكن الأغاني الوطنية تخلو من عزة وكبرياء، من لبنان إلى فلسطين فمصر حاضنة العروبة حيث انطلقت الثورة لتحضن الأمة العربية، ثورة شارك فيها فنانون بحناجرهم، فغنى عبد الحليم "خلّي السلاح صاحي" في ثورة أوكتوبر 73، وغنى "أصبح لدي بندقية" مع بداية الثورة الفلسطينية في الستينات، كما غنت أم كلثوم "والله زمان يا سلاحي اشتقت لك في كفاحي"، وانطلقت في العام 56 أغنية "دع سمائي فسمائي محرقة" التي أداها مجموعة من الفنانين العرب آنذاك، وفي تلك الحقبة انطلقت أغنية "أنا النيل مقبرة الغزاة" تأريخاً لانتصار مصر على الآلة الحربية الغربية. لا شك أن الأغاني الوطنية ليست إلا مرآة للواقع، فقبل عقود عندما كان العرب يحاربون متحدين، كانت الأغاني تعكس روح التحدّي والثورة، وعندما تشرذم العرب، تحوّلت أغانيهم الوطنية إلى مرثاة للوطن والأمة والقضية، مرثاة لم تتعب من تكرارها الحناجر، فالميت يرثى مرة واحدة، فلماذا نصر على رثاء قضيتنا كلما لاحت بوادر حرب في منطقة لم تعرف إلا الحروب؟
| |
|