«نوافذ الروح» تسجيلي يدخل إلى عالم الأحاسيس
ثقافة
الثلاثاء 4-10-2011
آنا عزيز الخضر
آثار ومواقع هي منارات تقدم صورة حية عن أرض عظيمة لطالما احتضنت الحضارات على مر العصور، مادة أساسية تمحور حولها الفيلم التسجيلي
«نوافذ الروح» سيناريو عمر أبو سعدة وإخراج الليث حجو وعمر العاني، والذي عرض في صالة الكندي بدمشق والمحافظات الأخرى.
تنقلت «كاميرا» الفيلم من مكان إلى آخر على مساحة الوطن ساعية إلى الآثار الكثيرة في سورية فصنعت مشاهد بصرية إبداعية تخرج الأحجار وفنونها عن صمتها الجليل فتعطي فكرة عميقة عن أصالة الحضارة السورية حيث تمازجت في أراضيها ثقافات كثيرة وتوالت شعوب ومجتمعات عريقة مرت السنوات والعقود عليها والقرون وبقيت صامدة كشواهد رائعة وتخبئ في داخلها وتشكيلاتها أصالة شعب بأكمله فهناك آثار ومواقع ومكتشفات أثرية تؤكد المجد الدائم لسورية، أما كثرة تلك المواقع والآثار فقد جسدت معاني أخرى وقدمت برهاناً أكيداً على عظمة هذه الأرض ثم تصديرها الدائم للحضارة.
وها هو الفيلم يحكي قصص تلك الحضارات بمجرد إلقاء الضوء عليها وإن تفنن بأساليبه الفنية العديدة.
فخطت كاميراه رحالها في مملكة ماري وانتقلت إلى إيبلا ثم أوغاريت وتدمر، أرواد ثم حلب ودمشق ماراً ومدققاً بتفاصيل كل تلك الأوابد، أنواعها ومجالات حياتها ووظائفها وخصوصاً أن التاريخ يحفظ في دفاتره ماذا قدمت تلك الحضارة للبشرية من الأبجدية إلى المعارف الأخرى العديدة، وما المعابد والمدافن والأسواق والشوارع القديمة إلا دليلاً على تقدم وازدهار رغم قدم تلك الممالك كما عرج الفيلم على مواقع دينية تؤكد طبيعة المجتمع السوري وتعدديته حيث مر على الجامع الأموي وكنائس معلولا وصيدنايا ومعابد أخرى وذلك كله بأسلوب فني فريد طوع أدواته ومفرداته ليدمج مابين الحالة التسجيلية والدرامية والمشهدية السياحية العالية المستوى.
وقد برزت مشاهد بصرية وصوراً جميلة آية في الإبداع رافقها صوت الفنان جمال سليمان بأداء ساحر بكل هذه المكونات استطاع الفيلم أن يخلق أيضاً عالماً درامياً مكتنزاً بالمشاعر والأحاسيس رغم أن الفيلم التسجيلي يتعامل مع العالم الحقيقي وقد تفنن صانعوه بصياغة أسلوب تصوير وإخراج حوّل عناصره وأبطاله إلى عالم من الأحاسيس والتي تداخلت مع صمت الأحجار فنفذت تلك العلاقة إلى أرواحنا صحيح أن تلك الآثار والتي جسدت البطل الحقيقي للفيلم موجودة في الواقع لكن ترتيبها واختيارها بشكل منظم بلور الفكرة الأساسية للفيلم ككل كيف أن سورية هي مهد للحضارات من هنا كانت سلسلة تلك المواقع هي نوافذ الروح لوحة غنية بدلالاتها وأبعادها وها هي الأوابد على مساحة الوطن دليل تستشفه العين وقد تألق الفيلم بتنوع لقطاته وغناها وزواياها فاللقطة من أهم أدوات اللغة السينمائية وهي هنا عنصر أساسي في الفيلم التسجيلي لأنه يحتاج إلى التنوع الكثيف لإضفاء الحيوية وقد اغتنى «نوافذ الروح» بلقطاته وتبلور فيه دور المصور كمبدع فني إذ أجاد في التركيز على مساحات خاصة بأسلوب متميز فكان لها دور في تعميق أحاسيس المتلقي الذي يراقب فيشعر بأبعاد وإيحاءات الأماكن التي رصدت ضمن تشكيلات إبداعية رافعة صوت فنان يدرك كيف يلون في أدائه الصوتي وكيف يتفنن في نبرات الصوت ليكون متناسباً مع المواقع ومواكباً متناغماً مع طبيعة كل مكان انتقل إليه، فتمكن الفيلم من مزج أسلوب واقعي وأسلوب درامي استطاع نسج علاقة متينة مع المشاهد فوصل إلى هدفه بامتياز حيث تسلل المشاهد وجمالية اللقطات وجمع تلك الأوابد وحشدها في إطار ينطق بالحقائق والدلالات على أرض احتضنت الحضارات فرأى المتلقي أدلة وبراهين تخدم فكرة الفيلم وهذه من السمات المطلوبة في الفيلم التسجيلي وها هي تلك الآثار تجسد حقائق تخرج من التاريخ وخلودها لتقول كلمتها لنا وللبشرية وتعود إلى وطنها.