صحيفة الرؤية الكويتيه الخميس 3 شعبان 1431 – 15 يوليو 2010
دروس في التعددية وقبول الآخر – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy .blogspot. com/2010/ 07/blog-post_ 14.html
تنهال علينا هذه الأيام من العواصم الغربية دروس احترام التعددية والقبول بالرأي الآخر
ففي الولايات المتحدة طردت صحافيتان من أصول لبنانية من وظيفتيهما لمجرد أن الأولى هيلين توماس عميدة مراسلي البيت الأبيض، داست على طرف لإسرائيل، وتحدثت عن عودة الإسرائيليين إلى البلاد التي جاؤوا منها قبل اغتصاب فلسطين.
أما الثانية فهي أوكتافيا نصر، مسؤولة الشرق الأوسط، التي عملت في شبكة سى.إن.إن منذ إنشائها، وقد طردت لأنها عبرت عن تقديرها واحترامها للمرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله ولم تبد رأيها هذا على الشبكة أو في تقرير إخباري لها، ولكنها سجلته في بضع كلمات على موقع «تويتر»،
كل جريمة السيدتين أنهما عبرتا عن رأي آخر لم يحتمل، في شأن يتعلق بصورة أو أخرى بإسرائيل، التي هي بمنزلة قدس الأقداس في السياسة الأميريكية، ولم يكن فيه أي طعن أو تجريح لها، «أو كفر» بما تدعيه من مزاعم وأكاذيب.
الضيق بالرأي الآخر المختلف في الولايات المتحدة، تحول إلى نفور من ثقافة الآخر بل وضيق بوجوده في أوروبا، وهذا الآخر هو العرب والمسلمون بالدرجة الأولى تجلى ذلك في الحرب التي أعلنتها بعض العواصم على النقاب وتسابقها على تحريمه ومعاقبة من تظهر به في الأماكن العامة،
وكانت فرنسا من «الرائدات» في ذلك المضمار، إذ بعد أن منعت الفتيات من ارتداء الحجاب في مدارس الحكومة، ومعاهدها، فإن جمعيتها الوطنية (البرلمان) أقرت في الأسبوع الماضي قانوناً يقضي بفرض غرامة قدرها 150 يورو (الف جنيه مصري) على كل مسلمة تضبط «متلبسة» بارتداء النقاب في الأماكن العامة.
(في بلجيكا مشروع قانون قدم إلى البرلمان تبنى نفس الفكرة).
من ثم فإن تقاليد الجمهورية العلمانية الفرنسية، التي احتملت ظهور المومسات والبغايا على نواصي الشوارع طوال الليل، استفزها واستنفرها ظهور بعض المنقبات في الأماكن العامة خلال النهار، واعتبر الموقف الأول دفاعاً عن الحرية، والموقف الثاني عدوانا على الجمهورية.
الطريف أن رجل أعمال فرنسياً مسلماً اسمه رشيد نقاذ أصدر بياناً نشرته الصحف، أعلن فيه إنشاء صندوق رصد فيه مبلغ 130 مليون دولار (حصيلة بيع عقارات له)، لمساعدة المسلمات اللاتي يلتزمن بارتداء النقاب خارج بيوتهن على دفع الغرامات، التي تفرض عليهن جراء تمسكهن بموقفهن.
الأمر ذهب إلى أبعد في هولندا، إذ شرَّعت الحكومة بعض القوانين، التي تدعو إلى ترحيل الأجانب، الذين اكتسبوا الجنسية بمضي الوقت، وفي المقدمة من هؤلاء أبناء الجاليتين التركية، والمغربية، الأكبر بين المسلمين المقيمين هناك،
من ذلك قانون يقضي بمنح الأجنبي راتباً شهرياً مدى الحياة إذا ما تخلى عن الجنسية الهولندية، وعاد إلى بلاده، وهذا الراتب يصل إلى 500 يورو، ويقدم إلى المهاجر فور قبوله بإسقاط الجنسية، وتسليم جواز سفره الهولندي، وحجز مقعده في الطائرة المتجهة إلى بلده الأصلي، وإذا كانت للفرد عائلة فإن «المكافأة» ترتفع إلى 650 يورو شهرياً،
هو طرد مهذب وقانوني يستخدم الإغراء والغواية، رغم أنه في حقيقته غير أخلاقي وغير إنساني،
في الوقت ذاته فإن مثل هذه التشريعات تعد من أصداء تنامي حملة اليمين المتطرف، الذي يجهر بالدعوة إلى طرد الأجانب. ومن الواضح أن تلك الحملة تلقى تأييداً شعبياً متزايداً.
آية ذلك أن حزب «الحرية»، الذي يدعو برنامجه إلى طرد المسلمين ويقوده اليمين المتطرف، خيرت فيلدرز، فاز في الانتخابات الأخيرة التي تمت هذا العام بأربعة وعشرين مقعداً في البرلمان (صوت لمصلحته أكثر من ربع الناخبين) في حين كانت له تسعة مقاعد فقط في البرلمان السابق.
التقرير الذي طالعته، حول الموضوع، ذكر أن بعض المهاجرين العرب الذين اكتسبوا الجنسية الهولندية، الصوماليين والعراقيين تحديداً، لم يحتملوا استمرار البقاء هناك وسط مشاعر العداء المتنامية، ولم يستطيعوا المغامرة بالعودة إلى بلادهم، فحلوا مشكلتهم بالنزوح إلى بريطانيا،
إذ استفادوا من قانون الاتحاد الأوروبي، الذى يعطي المواطن، الذي يحمل جواز الاتحاد حق الإقامة والعمل في أي دولة عضو فيه، ورغم أن أولئك المهاجرين يعيشون في ظروف بائسة هناك، إلا أنهم على الأقل ليسوا مهددين بالطرد، كما هو الحاصل في هولندا.
إن رياح التسامح مع العرب والمسلمين تتراجع في بعض أقطار الغرب، وعدواها تنتقل في هدوء من بلد إلى آخر لكنهم لم يكفوا عن وعظنا وإسداء النصح لنا بضرورة التحلي بذلك التسامح والاستمرار في قبول الآخر خصوصاً إذا كان إسرائيلياً،
وليس ذلك هو المظهر الوحيد للكذب والنفاق الذي يصدقه البعض عندنا.
............ .....
صحيفة الرؤية الكويتيه الأحد 13 شعبان 1431 – 25 يوليو 2010
المستحيل في غزة – فهمي هويدي
http://fahmyhoweidy .blogspot. com/2010/ 07/blog-post_ 24.html
أعلن رسميا في رام الله أن الطالبة نور إسماعيل من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة حصلت على المركز الأول متقدمة على كل طلاب الثانوية العامة في فلسطين (الفرع العلمي).
وذكر الإعلان أن أربعة من أبناء القطاع ضمن العشرة الأوائل الذين نجحوا في القسم العلمي، أما العشرة الأوائل في القسم الأدبي فقد كان ستة منهم من أبناء غزة.
ليس هذا خبرا عاديا، لأن مدارس القطاع التي دمرت والأساتذة والطلاب الذين قضوا عامهم الدراسي في ظل ظروف غاية في التعاسة والبؤس، وأجواء الحصار الوحشي المفروض على غزة، هذه كلها عوامل تهيئ الأذهان لاستقبال نتيجة مغايرة تماما.
إذ ربما كان مجرد النجاح إنجازا كبيرا، ولكن حين تصبح الأولى على القسم العلمي فتاة من خان يونس وعشرة من الأوائل في القسمين العلمي والأولى من غزة، فإن طعم الإنجاز يصبح مختلفا تماما.
لقد أمضى تلاميذ القطاع وتلميذاته عامهم الدراسي في حين تعاني المدارس أو ما تبقى منها النقص في الأساتذة وفي الكتب والكراريس والأدوات المدرسية والمقاعد، فضلا عن فترات انقطاع التيار الكهربائي، التي كانت تضطر الطلاب إلى استذكار دروسهم على ضوء الشموع أو باستخدام لمبات الجاز التقليدية. ولن أتحدث عن أجواء التوتر السائد بسبب استمرار الحصار والغارات الإسرائيلية التي تتم بين الحين والآخر.
من الخارج يبدو ذلك أمرا مدهشا، وهو كذلك لا ريب، لكننا إذا تأملنا المشهد في داخل القطاع فسوف تتسع دائرة الدهشة وترتفع وتيرتها.
أعني أننا إذا اعتبرنا تفوق بعض طلاب القطاع، في ظل ظروف التعجيز التي يعيشون في ظلها، باعثا على الدهشة، فإن تلك الدهشة يجب أن تتضاعف إذا ما وقفنا على الكيفية التي تستمر بها الحياة في القطاع في ظل المستحيل الذي يطبق عليهم من كل صوب.
هو وضع أقرب إلى المعجزة، أن تتمكن عبقرية الشعب الفلسطيني من إدارة عجلة الحياة في القطاع، في ظل ظروف التدمير والحصار للعام الثالث على التوالي، بدرجات مختلفة من الكفاءة، وهي التي مكنت ذلك الشعب المدهش من مقاومة الانكسار والتركيع.
بحيث بدا في النهاية أن فشل إسرائيل في دفع القطاع إلى الاستسلام في حربها التي استخدمت فيها مختلف أسلحة الفتك والدمار، استصحب فشلا آخر لكل الذين راهنوا على تركيع القطاع بالحصار وهدم الأنفاق. وبالسور الفولاذي وغير ذلك من أساليب التضييق والتنكيل.
إن عزيمة الشباب الذين حققوا تفوقهم الدراسي المدهش، لم تختلف في شيء عن عزيمة الأطباء الذين صنعوا معجزات أخرى في إدارتهم للمستشفيات وإجراء الجراحات وتهيئتهم غرفا للعناية المركزة اعتمدوا في تجهيزها على بقايا الأجهزة المدمرة، وعلى خامات أخرى بدائية.
وما فعله هؤلاء فعله نظراؤهم من المهندسين والبناءين والحرفيين والمزارعين، الذين تحدوا الحصار والقهر بقدرتهم الفذة على تحقيق المستحيل.
إن فكرة الأنفاق ذاتها من دلائل تلك العبقرية التي اقترنت بالعزيمة الجبارة، التي مكنت أهل غزة من تحدي الحصار والسخرية منه والانتصار عليه. حتى باتت تلك الأنفاق صورة جديدة للمقاومة، فاجأت الذين راهنوا على تركيع الفلسطينيين وإلحاقهم من خلال الحصار بجماعة المنبطحين الذين دخلوا في بيت الطاعة الإسرائيلي.
لقد قرأت على ألسنة نفر من الذين زاروا القطاع إعرابهم عن الدهشة لأن الكثير مما يحتاج إليه الناس متوافر في الأسواق. وهي حقيقة لا فضل فيها لأحد، وإنما ذلك الفضل يرجع أولا إلى قوة عزيمة الشعب الفلسطيني وإصراره على تحدي إعصار الحصار وجبروته، ويرجع ثانيا إلى المعونات التي قدمها الشرفاء والنشطاء لأهل غزة.
لقد نجحوا بامتياز في مقاومة الإذلال والتركيع، لكنهم لايزالون يحتاجون إلى الكثير للنهوض وإصلاح ما دمره انقضاض الأعداء وما أفسده تآمر «الاعتقاء».
ولا أعرف إن كانوا لا يزالون يأملون خيرا أم لا في أهل القرار من بين الأشقاء، بعدما كشفت التجربة عن أن بعضهم كان عليهم وليس لهم، واختاروا أن يكونوا أعزة على المؤمنين وأذلة على المعتدين.
............ ........